د. عبده البجشد. عبده البجش

مافيا تهريب السلاح للحوثيين

من الملاحظ أن إيران تعتمد على خطط مختلفة لعمليات تهريب السلاح إلى اليمن، حيث تنتهج أسلوبي التهريب المباشر وغير المباشر، ويكون الأول عبر النقل الجوي لمطارات دول عربية كالعراق ولبنان، أو عن طريق بواخر تجارية تصل الى الحوثيين في اليمن، أما عمليات التهريب غير المباشرة فتتمثل بنقل السلاح إلى الصومال، ومن ثم نقله عبر سفن صغيرة إلى اليمن؛ لتجنب ملاحقة السفن الدولية التي تتابع حركة النقل في البحر. كما تستغل إيران ضعف الرقابة على الممرات الدولية القريبة من ميناء الحديدة اليمني، لتهريب الصواريخ الباليستية، من خلال تفكيكها وشحنها داخل حاويات قمح وأغذية، ليتم تجميعها فيما بعد بواسطة خبراء إيرانيين منتشرين في المدن التي تقع تحت السيطرة الميليشيات الحوثية.

سبق أن ضُبطت إيران وهي تنقل أسلحة إلى الحوثيين، وعلى وجه التحديد في 23 يناير 2013، حين اعترضت المدمرة "يو إس إس فاراغوت" قبالة ساحل اليمن سفينة "جيهان 1"، التي كانت تحمل صواريخ كاتيوشا من عيار 122 ملم، وأنظمة رادار، وصواريخ صينية مضادة للطائرات من طراز "كيو دابليو-1 أم"، و2.6 طناً من المادة شديدة الانفجار "آر دي أكس". وشكّلت هذه الخطوة انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1747 لعام 2007، الذي قضى بأنه: "لا يجدر بإيران تزويد أي أسلحة أو مواد مرتبطة بها أو بيعها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر من أراضيها أو عبر رعاياها أو بواسطة السفن أو الطائرات التي تحمل رايتها". (عندما توصلت إيران ومجموعة «دول الخمسة زائد واحد» إلى اتفاقهما النووي في يوليو 2015، تم استبدال قرار مجلس الأمن رقم 1747 بقرار المجلس رقم 2231 الذي هو أضعف بكثير من السابق، والذي يلقي عبء المسؤولية على عاتق الدول الأخرى فيما يتعلق بـ "منع تزويد أسلحة أو مواد مرتبطة بها أو بيعها أو نقلها من إيران عبر رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي تحمل رايتها سواء أكان منشأها من الأراضي الإيرانية أم لا، ما لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك بشكل مسبق وانطلاقاً من كل حالة على حدة".)

ومن خلال الاستمرار بمثل هذه الأنشطة اليوم، ربما تنتهك إيران قرارات ما بعد 2014م، التي تحظر عمليات نقل الأسلحة إلى الحوثيين. وتدعو قرارات مجلس الأمن رقم 2140 لعام 2014م، ورقم 2216 لعام 2015م، ورقم 2266 لعام 2016م، الدول الأعضاء إلى "اتخاذ التدابير الضرورية" لمنع مثل هذه العمليات. وترتكز النتائج الأخيرة التي توصل إليها "مركز أبحاث التسلح والصراعات" على مجموعة من المصادر، بما فيها صور مثبتة من الحكومة الأسترالية لمواد استحوذت عليها السفينة الحربية "إيش أم إي أس داروين" من مركب شراعي إيراني الصنع في بحر العرب في 27 فبراير 2016م. كما تلقى "مركز أبحاث التسلح والصراعات" صوراً ولائحة كاملة من الأرقام التسلسلية الخاصة بأسلحة استولت عليها السفينة الحربية الفرنسية "أف أس بروفانس" من مركب شراعي إيراني الصنع قبالة ساحل عمان في 20 مارس 2015م.

كشفت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي النقاب عن أدلة جديدة على تسليم أسلحة إيرانية إلى الميليشيات الحوثية في اليمن. ففي مركز عسكري داخل "القاعدة المشتركة «أناكوستيا بولينغ»" في واشنطن العاصمة، عرضت هيلي ومسؤولون في البنتاغون قطعاً من صاروخ وصوراً لمجموعة من منظومات أسلحة إيرانية الصنع تمّ اكتشافها في اليمن. تَرَكَّز عرض هيلي على أجزاء من صاروخين إيرانيين الصنع من نوع "قيام-1" أُطلقا على السعودية -أحدهما باتجاه ينبع في 22 يوليو 2017م، والآخر باتجاه الرياض في 4 نوفمبر 2017م. وكانا نسختين معدلتين خصيصاً من صاروخ "قيام-1" برأس حربي أصغر حجماً وكمية قصوى من الألمنيوم لاكتساب مدى إضافياً. وإذ يطلق عليها الحوثيون تسمية "بركان H2"، تكتسب صواريخ "قيام-1" أهمية لأنها تمثل قفزة إلى الأمام على صعيد القدرات التي تستخدمها الميليشيات الحوثية، وتتيح تنفيذ هجمات تصل إلى مدى يزيد عن 1000 كيلومتر، مما يجعل بالتالي السعودية وكافة دول الخليج تقريباً في مرمى النيران الحوثية. وقد أثنى زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي على هذه القدرات الجديدة، الذي زعم في 14 سبتمبر 2017م أن الإمارات العربية المتحدة "أصبحت الآن في مرمى صواريخنا".

وشملت عناصر الصواريخ عدداً من "الأدلة الدامغة" على أنها إيرانية الصنع. فقد حمل المشغل الميكانيكي لأحد الصواريخ -وهو الجزء الذي يتحكم بالوضعية -شعار "مجموعة الشهيد باقري الصناعية"، وهي شركة دفاع إيرانية تخضع لعقوبات فرضتها عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما دُمغت لوحة الدارة الموجودة ضمن وحدة قياس لصاروخ محطم على أنها منتج "مجموعة الشهيد همّت الصناعية"، وهي هيئة أخرى تخضع لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية لورا سيل، أن "الهدف من هذا العرض هو إظهار أن إيران وحدها، هي التي تقوم بصنع هذا الصاروخ. ولم يزوده الإيرانيون لأي عناصر أخرى، فلم نرَ أحداً يستعمله إلا إيران والحوثيين".

للمرة الثانية اصطحبت السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي يوم الاثنين 28 يناير 2018م اثنا عشر سفيرا اجنبيا بمجلس الامن الدولي في جولة للاطلاع بأنفسهم على الأدلة التي تثبت تسليح إيران للميليشيات الحوثية في اليمن. وفي قاعدة عسكرية على مشارف واشنطن، شاهد الحضور، وكان من بينهم سفراء الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة بقايا صاروخ إيراني أطلق من اليمن نحو السعودية في 4 نوفمبر الماضي. وكان الغرض من الزيارة هو ان يطلع أعضاء مجلس الامن بأنفسهم ليصبحوا قادرين على اتخاذ القرارات ضد إيران التي تتجاهل بشكل مستمر التزاماتها الدولية. وفي السياق ذاته ذكر تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الامن بشأن اليمن في تقريرها الذي يغطي الفترة الممتدة من يناير الى يوليو 2018م، أن أسلحة استخدمها الحوثيون وتم تحليلها في الآونة الأخيرة -- بما في ذلك صواريخ وطائرات بلا طيار -- "تظهر خصائص مماثلة لأنظمة أسلحة معروف أنها تصنع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وتمكن فريق الخبراء من فحص حطام عشرة صواريخ سقطت في الأراضي السعودية وعثر فيها على كتابات تشير إلى أصلها الإيراني، وأضاف التقرير "يبدو أنه على الرغم من الحظر المفروض على الأسلحة، لا يزال الحوثيون يحصلون على صواريخ بالستية وطائرات بلا طيار من أجل مواصلة هجماتهم، وعلى الأرجح تكثيف حملتهم ضد أهداف في السعودية". وبحسب لجنة الخبراء فإن من المحتمل جدا أن تكون الصواريخ صنعت خارج اليمن، وشحنت أجزاؤها إلى الداخل اليمني حيث أعاد الحوثيون تجميعها.

الفضيحة الكبرى في ملف تهريب السلاح للميليشيات الحوثية تتمثل في تواطئ الأمم المتحدة في عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين على متن سفن وقوارب ترفع اعلام الأمم المتحدة يفترض انها تحمل مواد غذائية واغاثية لملايين اليمنيين المتضررين من الحرب، حيث كشفت مصادر دبلوماسية في الرياض ان السفينة التي ضبطتها قوات التحالف العربي في فبراير 2016م، كانت متجهة الى ميناء الحديدة، الذي تسيطر عليه المليشيات الحوثية، وهي سفينة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وذكرت المصادر ان قوات التحالف اقتادت السفينة الى ميناء جيزان، اذ كانت تحمل على متنها أجهزة اتصال واجهزة تشفير خاصة بالاستخدامات العسكرية، وهي ضمن المواد الممنوعة بموجب قرار مجلس الامن 2216. هذه الحادثة تعزز مواقف بعض الأطراف المحلية اليمنية المناهضة للمليشيات الحوثية، والتي تؤمن بأن الأمم المتحدة تتخذ من المساعدات الإنسانية ذريعة لتهريب السلاح وقطع الصواريخ البالستية الى المليشيات الحوثية عبر ميناء الحديدة، وقد تم الاستيلاء على بعض الأسلحة والصواريخ الحرارية ومضادات الدروع بحوزة المليشيات الحوثية تاريخ تصنيعها 2017م، وبلد التصنيع روسيا وايران والصين، وهو ما يدل على دخول شحنات عبر ميناء الحديدة بتواطؤ من الأمم المتحدة التي تعمدت منع التحالف العربي من تحرير مدينة الحديدة وإبقاء الموانئ تحت سيطرة الحوثيين لكي يسهل عليها تمرير مثل هذه الصفقات المشبوهة. وعلاوة على ذلك ذكرت قناة السي ان ان الأميركية ان طاقما عسكريا يتبع المدمرة يو اس اس يودنهام نفذ عملية دهم في أغسطس 2018م لقارب في خليج عدن وعند اعتلاء القارب صادر الجيش الأمريكي أكثر من ألف قطعة سلاح ليتفاجأ ان القارب تابع للأمم المتحدة مشيرا الى بدء تحقيق حول تورط الأمم المتحدة في تهريب سلاح واموال ومخدرات الى المليشيات الحوثية، وذلك يدل على انه وان فشلت عملية التهريب هذه المرة، فان عمليات أخرى كثيرة قد نجحت بالتأكيد.

شبكة صوت الحرية -

منذ 4 سنوات

-

758 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد