د . عبده سعيد المغلسد . عبده سعيد المغلس

اليمن بين سلام التعايش وسلام الحرب



اليمن بين سلام التعايش وسلام الحرب


توضيح لا بد منه

١- في ظل الصراع ضمن مشروع وطني يستهدف بناء الوطن، يمكن للقوى الوطنية ذات المشاريع الوطنية، أن تلتقي حول المصلحة الوطنية، وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه للخروج بحلول وطنية لكل مشاكلها تكفل السيادة والعزة والكرامة للوطن والشعب، فالهدف النهائي للجميع هي مصلحة الوطن بدولته وشعبه وأرضه، ونموذج هذا المشروع الوطني، الحوار الوطني ومخرجاته، وما حصل فيه من حوارات تحت سقوف مفتوحة، توصلت فيها جميع الأطراف والقوى اليمنية، لمخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور.

2- وحدها فقط الأدوات المحلية المنفذة لمشاريع خارجية، لا تمتلك مشروعاً وطنياً، ولا تؤمن باليمن الوطن والدولة، والشعب والأرض، والشرعية والمشروع، ولا تؤمن بالحوار، ولا بالسلام، ولا بالعيش والتعايش، فهدفها الأساسي تمكين المشاريع الخارجية من اليمن، ولذا فهي دوماً ضد أي مشروع يهدف نهضة اليمن وسلامه واستقراره وتنميته، وسلامة ووحدة أراضيه، فمشاريعها تهدف لهيمنة الخارج بتقسيم اليمن، وتسليمه لمشاريع الخارج للاستئثار بثرواته ودوره وموقعه.

3- أوجد الله الموازين ومعاييرها، على مستوى الكون والإنسان والمجتمعات، من خلال قوانين تحفظ الوجود وتساعد على فهمه وتسخيره، وأي خلل أو عدم معرفة بالموازين ومعاييرها، يؤدي إلى طغيان الميزان، وخلل على كل مستويات الوجود، مما يعرض الإنسان ومحيطه لكوارث مهلكه، وعليه فعدم معرفة موازين ومعايير الصراع في المجتمعات، تؤدي لكوارث مدمرة، وهذا ما حصل ويحصل في اليمن من عدم فهم موازين ومعايير الصراع في اليمن عند البعض، بسبب الإمامة وحكمها والحروب التي نشأت بسببها وعلى رأسها حربها ضد المشروع الاتحادي منذ عام 2014م وحتى اليوم وما تبع هذه الحرب من مقاربات حول إيقاف الحرب والسلام في اليمن.

جذور الحرب اليمنية وأسبابها.

عاش اليمن بشعبه وأرضه، طوال تاريخه حروباً مستمرة، سواء في عهد الإمامة ما بين حروب مقاومتها، وحروبها مع نفسها بين إمام مُبَايع وإمام يخرج عليه، وحروب مقاومة الاستعمار والتحرر، ونجد أنه طوال الخمسين عاما الأخيرة كمثال، عاش اليمن دورات حروب متكررة، بعناوين مختلفة، وصراعات دامية متعددة، داخلية عكست مصالح الإمامة والهيمنة على السلطة والثروة، وبين مذاهبه، ومناطقه، وقبائله، وأيدولوجيات أحزابه، وحروب خارجية عكست مصالح وأطماع الخارج بالهيمنة على الاقتصاد الأزرق" اقتصاد البحار" وموقع اليمن الفريد بإطلالته الرابطة بين القارات، وموانئه وجزره، المطلة على المضايق والبحار، والقريبة من الخطوط الملاحية الدولية.

لم يجد اليمن واليمنيون طوال تاريخهم المعاصر، سلاماً حقيقيا، يعالج جذور الحروب، بمختلف أسبابها ومسمياتها، سلاماً يحقق مصالح اليمن وشعبه، سلاماً تنعم فيه الدولة اليمنية بشعبها وأرضها، بالاستقرار والتنمية والنهضة والتعايش، مع ذاتها ومحيطها والعالم، وإنما كان اليمنيون يخرجون من حرب ليدخلوا حرباً جديدة، فبعد حرب الجمهورية مع إمامة بيت حميد الدين بعد ثورة 26 سبتمبر، والتي استمرت ست سنوات من عام (١٩٦٢-١٩68)، وانتهت بانتصار الثورة والجمهورية بفك الحصار عن صنعاء، واختلطت في هذه الحرب عوامل الصراع والمصالح الداخلية والإقليمية والدولية، وتم وضع خطة سلام للمصالحة، بدون خطة تعالج جذور الحرب وأسبابها الحقيقية، وعلى رأسها الإمامة والطائفية، فكان سلاماً هدفه المصالحة وتقاسم السلطة مع بقاء وترحيل أسباب الحرب.

سلام المصالحة دون معالجة جذور الحرب أوصل اليمن لهذه الحرب ومأساتها الإنسانية، كونه كان سلاماً للمصالحة والتقاسم ولم يكن سلاماً حقيقياً للعيش والتعايش عالج جوهر الصراع وعمل على حله، ولهذا انتجت المصالحة سلاماً مهد للإمامة الحوثية لتقوم بانقلابها عام ٢٠١٤.

كما دخلت كل من دولتي الشطرين قبل الوحدة، الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وبعدها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في حروب داخلية وانقلابات مضادة، وحروب وصراعات عكست المصالح القبلية، والمناطقية، والحزبية، والمذهبية، رافقتها تدخلات للمصالح والقوى الخارجية، الإقليمية والدولية، وبما أنه لم يتم تقديم مشروع لعقد اجتماعي يبني دولة، ويعالج جذور الأزمات المسببة للحروب وعلى رأسها عصبية الإمامة والمناطقية، ويؤسس لتعايش الجميع، ويقيم السلام الدائم داخل الدولتين وما بينهما.

ونتج عن ذلك حروب بين الدولتين على الحدود، وحروب الجبهات، عكست طبيعة الصراعات، الداخلية والخارجية السابقة، وخاضت الدولتان حرباً بينهما في العام ١٩٧٢ نتج عنها اتفاق القاهرة، وعام ١٩٧٩ نتج عنها اتفاق الكويت، وتحققت الوحدة اليمنية عام 1990م وكانت مشروع أمل كبير لبناء الدولة والعيش والتعايش، وبسبب ثقافة الهيمنة والفيد نتجت حرب عام ١٩٩٤ ونتج عنها ما عرف بالقضية الجنوبية، وكذلك حروب صعدة الستة التي نتج عنها قضية صعدة، وحروب القاعدة والإرهاب، ونتج عنها الحرب على الارهاب، ثم خطر الحرب الأهلية عقب ثورة الشباب عام ٢٠١١، ونتج عنها ولأول مرة مشروع مقاربة حقيقية لمعالجة أسباب الصراع وجذوره، بما عرف بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومؤتمر الحوار الوطني بمخرجاته ومسودة الدستور.

لقد عاش اليمن سلسلة حروب متتالية، تعقبها خطط لسلام هش، يؤسس لصراعات وحروب متجددة، فيخرج اليمن من حرب، بهدنة تؤدي لحرب جديدة، وذلك لعدم مقاربة خطط ومشاريع السلام المطروحة، لطبيعة وأسباب وجذور الحروب اليمنية ومعالجاتها، ويخوض اليمن اليوم حرب استعادة الدولة، من مليشيا الانقلاب الحوثية منذ عام 2014م، وكل مشاريع السلام المقدمة تقوم على القفز فوق الأسباب والجذور، بهدف اطفاء الحرائق الناتجة عن الحرب، تاركة جمر الصراع وحروبه متقد، ليعمل لإشعال حريق حرب جديدة، وتحت مبرر(البعد الانساني) للحرب تقدم مشاريع السلام، عبر ممثلي الأمم المتحدة ، والدول الساعية للسلام، لكنها تتجاوز الأسباب المؤدية للحرب، المنتجة للمأساة الإنسانية أصلاً، والمتمثلة بانقلاب المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً، على مشروع اليمن الاتحادي، الذي هو مشروع سلام المجتمع وتنميته واستقراره، والذي عالج كل أسباب الحروب السابقة ونتائجها.

و بعد ثورة الشباب وبوادر الحرب الأهلية بين أطراف السلطة بصنعاء، قيض الله لليمن فخامة الرئيس هادي، ليحكم اليمن بلحظة تاريخية، كحل قادم من خارج العصبيات المتصارعة على السلطة، وقام برعاية وتقديم مشروعه التاريخي للسلام ولليمن، الدولة والأرض والشعب وهو " الحوار الوطني ومخرجاته لبناء اليمن الاتحادي من أقاليم ستة" وبرعاية إقليمية ودولية، ومن خلاله تمت معالجات كل أسباب ومسببات الصراعات والحروب، في اليمن التاريخية منها والمعاصرة، كما وضعت المخرجات حلاً متكاملاً لعصبيات الداخل، وأطماع الخارج، وتم تحصين هذه الحلول المتكاملة، بدستور ينظم قيام دولة اتحادية، تكفل حق الجميع، في السلطة والثروة والتعايش، ولأول مرة يجد اليمنيون، مشروع سلام حقيقي، لبناء دولتهم ومجتمعهم، على أسس المواطنة المتساوية لا العصبيات، و على التوزيع العادل للسلطة والثروة، ملغياً هيمنة وتحكم الإمامة وعنصريتها والعصبيات بمختلف مسمياتها.

ولأول مرة بتاريخ اليمن، تم وضع خارطة وخطة للسلام الحقيقي، الذي قدم سلاماً لكل مكونات المجتمع، سلاماً ينتج الكرامة والعيش والتعايش والمواطنة.

غير أن الإمامة بمشروعها الداخلي، وارتباطها بمشروع إيران التوسعي، متحالفة مع حالة الانتقام والكراهية، والعصبية المناطقية، للرئيس السابق، انتجا معا انقلاب الإمامة الحوثية، الذي ادخل اليمن في حرب مستعرة، مع الشعب، والإقليم، والعالم، وما زالت منذ عام ١٩١٤ وحتى اليوم، ونتج عن ذلك طلب الشرعية اليمنية، الدعم والمساندة من العالم، عبر مجلس الأمن، ومن الأشقاء العرب، عبر الجامعة العربية، والمملكة العربية السعودية بمجلس التعاون الخليجي، ونشاء عن ذلك تحالف دعم الشرعية، بأهدافه المعروفة والمعلنة، وصدرت قرارت مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى رأسها القرار ٢٢١٦، لاستعادة مشروع السلام والدولة في اليمن.

وتخللت هذه الحرب الإيرانية على اليمن والمنطقة، محاولات عدة للسلام تنقلت بين مؤتمرات في جنيف، ومباحثات في الكويت، وفي استكهولم، وظهران الجنوب، ومسقط، وقبل ذلك محادثات السلام، في الحروب الستة، ودماج، واتفاق السلم والشراكة، وتكررت محاولات اتفاقيات وعهود السلام، بين الدولة والمليشيات، والمليشيات الحوثية الإرهابية والقبائل، وهناك العشرات من الاتفاقيات الموقعة من المليشيات ولم تلتزم بحرف واحد منها، وكل هذه المحاولات تؤكد عدم مصداقية أو رغبة السلام، عند المليشيا الحوثية الارهابية وإيران.

وهذا يقودنا لحقائق المشهد وأزمته الراهنة كما يلي:

1- الجزم بأن الإمامة والميليشيا الحوثية، ومعهما المشروع الإيراني في المنطقة، يرفضون السلام ولا يؤمنون به، بسبب نازيتهم العنصرية، التي ترى بأنهم الأحق بالحكم والسلطة والثروة، دون غيرهم من مكونات الشعب اليمني، وشعوب المنطقة، وبسبب مشاريعهم المرتبطة بالهيمنة على المنطقة، ولأنهم انقلبوا على خارطة وخطة السلام الوحيدة في اليمن، ونقلوا الحروب من داخل اليمن، لخارجه الإقليمي، بعدوانهم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، على المملكة الشقيقة، وإلى العالم بتهديد مصالح نقل التجارة العالمية والطاقة، من خلال الألغام البحرية، والقوارب المفخخة، في خطوط الملاحة الدولية المحاذية لليمن، وقد رفضوا وانقلبوا على العشرات من الاتفاقيات ومبادرات السلام نذكر منها:

1. صلح صعدة (سبتمبر2006).

2. اتفاق الدوحة (فبراير2008).

3. الحوار الوطني

4. اتفاق دماج

5. السلم والشراكة (سبتمبر2014).

6. جنيف1 (يونيو2015).

7. جنيف2 (ديسمبر2015).

8. مباحثات الكويت (إبريل2016).

9. جنيف3(سبتمبر2018).

10. استكهولم (ديسمبر2018).

2- الحروب في اليمن تحتاج لسلام يعالج جذورها المتراكمة، والمتمثلة في الإمامة والعصبيات والهيمنة على السلطة والثروة، ومطامع الخارج، ولا يوجد مشروع يقوم بذلك غير مشروع اليمن الاتحادي ومخرجات الحوار الوطني.

3- يشهد اليمن دعوات للسلام تحت دواعي العامل الإنساني، و خيار السلام المستدام الغير مؤسس للحروب في المستقبل هو خيار الشرعية الوحيد منذ أول وهلة، وقدمت التنازلات المتعددة في سبيل ذلك، مع كل جولة لمفاوضات السلام، كما قدمت الشرعية ومعها تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة الشقيقة، مبادرات من جانب واحد رفضها العدوان الإيراني والمليشيا الحوثية، وقدمت المملكة الشقيقة مبادرتها الأخيرة للسلام وقبلت الشرعية بها، وحتى اللحظة لم تقبل بها المليشيات الحوثية الإرهابية وإيران، بل تم تصعيد الهجوم على مأرب والمملكة، مما يؤكد أن لا وجود للسلام في مخططاتهما ومشروعهما هو مشروع حرب ضد اليمن والمنطقة والعالم.

4- أي خروج عن مشروع السلام الحقيقي والمستدام كما صرح دوما فخامة الرئيس هادي، والقائم على المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الامن ذات الصلة، وعلى رأسها القرار ٢٢١٦، وأي مقاربة للسلام لا تكسر وتهزم رغبة الحرب عند الانقلابيين، وتربط الحرب اليمنية بالمفاوضات النووية الإيرانية، وأزمة إيران مع الاقليم والعالم، هو سلام زائف، يعيد اليمن لحروبه الدائمة والمستمرة، مما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي مجددا، وينتج مآسي انسانية نازفة ومستمرة.

ختام القول

تباكى العالم وتداعى، حين أرادت الشرعية وتحالف دعمها كسر رغبة الحرب وهزيمتها عند المليشيا الحوثية بتحرير الحديدة من جرائمها، وبعنوان الخوف من الكارثة الإنسانية للمدنيين فيها، أوقفوا الشرعية وطرحوا اتفاق استكهولم، وتباكى العالم وتداعى لوقف الحرب بسبب الكارثة الإنسانية، وقدمت المملكة الشقيقة مبادرتها للسلام، ونفس هذا العالم ودوله المؤثرة وعلى رأسها دول 5+1 لم تتباكى ولم تحرك ساكن أمام مدينة تعز وملايين السكان، وهم تحت حصار مستمر منذ 6 سنوات وقتل يومي، ولم تحرك هذه الدول ساكن أمام الرغبة النازية للحوثيين باقتحام مأرب وتهديد سكانها وملايين النازحين فيها، كما لم يتحرك العالم الحر كما يسمي نفسه أمام هذا الرفض لإيران واداتها المليشيا الحوثية للسلام ومبادراته طوال مراحل الحرب، وأخرها مبادرة المملكة للسلام التي رعتها هذه الدول، وكلفت أمريكا مبعوثا خاصا للسلام في اليمن، نأمل أن تغير هذه الدول من مفاهيمها حول المليشيا لحوثية ومعها إيران ودوافعهما لرفض كل خطط السلام والتعايش، أما نحن اليمنيون فنعرفها وسنحاربها لإسقاط مشروعها القائم على الكراهية والحرب، كما قرر تشرشل ومعه العالم الحر اسقاط المشروع النازي وهزيمته، وسؤالي لكل المهتمين بالسلام كيف يتخيلون وضع أوربا في حال انتصرت النازية ؟

 

د عبده سعيد المغلس

27-4-2021

شبكة صوت الحرية -

منذ سنتين

-

733 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد