د . عبده سعيد المغلسد . عبده سعيد المغلس

خيار اليمنيين بين دولة العصبية ودولة المواطنة


معرفة التاريخ المرضي وجذوره قاعدة أساسية في الطب للتشخيص والعلاج، وهي تنطبق على أمراض المجتمعات، وهذا الذي سعى إليه فخامة الرئيس هادي الذي عاش تجارب الحروب والانقلابات في جنوب الوطن وشماله، وبين شماله وجنوبه، فكان أول رئيس حكم اليمن يسعى لإيجاد حل واقعي ومتكامل يُخرج اليمن من مشكلته الحقيقية، الكامنة في ثقافة صراع العصبيات حول السلطة والثروة، وقد أتت به لحظة تاريخية فارقة بانتخابه رئيساً لليمن ليصنع التاريخ، فتلاقت مُسببات كتابة ما يُعرف باللحظة التاريخية الفارقة، بتلاقي الأسباب المُكَوّنة لها المحلية والإقليمية والدولية، فقاد الرئيس هادي مشروع الخلاص الوطني من خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي ضم كل مكونات المجتمع ونخبه وخبراء الداخل والخارج، وعمل الجميع على دراسة جذور ومحتوى كل القضايا اليمنية وعلى رأسها قضيتي الجنوب وصعدة، فقدمت مخرجاته التشخيص الدقيق والعلاج الأكيد لكل قضايا الصراع والحروب ومسبباتها وذلك بقيام دولة المواطنة الاتحادية، بديلاً لدولة العصبية الأحادية، وتُرجمت هذه المخرجات بوثيقة دستور اليمن الاتحادي، المحدد طبيعة الحلول بضماناتها الدستورية والقانونية، ومؤسساتها بمهامها وواجباتها الدستورية والقانونية والاتحادية والإقليمية، من رئيس الدولة الاتحادية لمدير المديرية في ولاية الإقليم، ومن هوية الدولة، لضمانة الحقوق والتعايش والمواطنة الواحدة والمتساوية، وأدركت العصبيات خطورة المشروع الاتحادي على وجودها، فتحالفت للانقلاب عليه وشرعيته.




فالمتابع للتاريخ اليمني اليوم وعبر مسيرة تاريخه الطويلة، يجد أن حروب اليمن وصراعاته، جوهرها وجذورها ثقافية بالأساس، فعندما تُهيمن ثقافة الدولة العصبية، تغيب ثقافة الدولة الوطنية، ومعها تضيع الأخوة الإيمانية والوطنية، والمواطنة الواحدة المتساوية، فتهيمن الدولة العصبية أياً كان اسمها "عنصرية إمامية، أو مذهبية، أو قبلية، أو مناطقية، أو حزبية"، وبطبيعة تكوينها الثقافي، لا تعترف بالأخر، ولا بالتنوع والاختلاف والتعايش، فتصبح دولة استئصالية واقصائية، وعدوانية واستبدادية، فتستعر الكراهية في المجتمع، وتنتشر ثقافة العصبيات وحروبها، وكل عصبية تسعى لهيمنة عصبيتها ودولتها، وهذه الحالة عاشها اليمنيين في ماضيهم، ونعيشها بمآسيها اليوم نتيجة انقلاب العصبية الإمامية وممارستها الإقصائية.



لذا فالأزمة اليمنية بجذورها ومحتواها أزمة ثقافة التعصب، تعكس بسلوكها وممارساتها، أعراض علة الثقافة المُكَوّنة للعقل الجمعي للعصبية، القائمة على الأحادية الإقصائية والإخضاع والهيمنة، ورفض الأخر والتعايش معه، منتجة سلوك العصبوية بأنواعه السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، الذي يعكس نفسه بأزمات حروب وصراع بعناوين سياسية واقتصادية ومجتمعية ودينية، تهدف إخضاع الأخر والهيمنة على السلطة والثروة.




ولمواجهة ثقافة هذه العصبيات بمختلف مسمياتها، وانقلاباتها، علينا المعرفة والوعي بالمتآمرين على اليمن وشرعيته ومشروعه، وإدراك مخططاتهم وأدواتهم وأساليبهم، فهم بتآمرهم يستهدفون الشرعية ومشروعها ورجالها، بحروب الباطل والإفك والإرجاف والإشاعات، وصولاً لتنفيذ مخططهم لإسقاط مشروع بناء اليمن الاتحادي كدولة موحدة قادرة ومقتدرة تضمن وتحمي كرامة الوطن والمواطن.




وهذا هدفهم ومخططهم، وكل من يسعى لذلك ويقوم به تحت أي ذريعة، فهو جزء من هذا المخطط المعادي لليمن، ولبناء دولته الاتحادية واستقراره وتنميته، لأنه بتحقيق مخطط اسقاط الشرعية ومشروعها، يتحقق لهم تقسيم اليمن ونهبه، والتحكم بموقعه المتميز والمتحكم في الجغرافيا السياسية والاقتصاد الأزرق، بجعله دويلات يحكمها تأمر الخارج، بأدوات الداخل، وحينها لن يجد المخدوعين بتآمرهم، وطن يعيشون به أو يتعايشون، بل كيانات ممزقة متحاربة.




إن خلاص اليمن من ثقافة العصبيات ودولها هي شرعية الدولة الوطنية، بمشروعها الاتحادي، بهما فقط يخرج اليمن من دولة العصبيات وحروبها، لدولة الوطن الواحد والمواطنة المتساوية.


واليمنيون اليوم بين نموذجين للدولة والمواطنة، إما دولة العصبية ومواطنة الخضوع والإقصاء والكراهية، وإما الدولة الاتحادية ومواطنة الكرامة والأخوة والتعايش والمحبة.



فمعركتنا اليوم تستند على خيارنا وإيماننا بشرعيتنا ومشروعنا، ووعينا بالتآمر وأهله وأدواته، وإصرارنا على هزيمة مشاريع التآمر، والطريق الوحيد لتحقيق الوعي والانتصار والخيار الآمن، هو الوقوف خلف الشرعية ومشروعها الاتحادي، وتحالف دعمها بقيادة المملكة الشقيقة، لنسعى جميعاً لإسقاط وإفشال تآمر الانقلاب وهزيمته، فهو خيارنا الوحيد لمواجهة دولة العصبية الأحادية، وبناء دولة الأخوة الوطنية والمستقبل، فهو خيار اليمنيين جميعاً للخروج من حروب ودويلات العصبيات المختلفة، وثقافة الحروب والكراهية، للعيش معاً بدولتهم الاتحادية الجامعة الراعية لأطيافهم المتعددة، ووطنهم الواحد الذي يتسع للجميع.

شبكة صوت الحرية -

منذ سنتين

-

734 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد