د . عبده سعيد المغلسد . عبده سعيد المغلس

المتحاورون وثوابت اليمن الجمهوري


الحوار أرتبط بالوجود الإنساني منذ بدء الخليقة ومنهج رسالة الإسلام بملله المختلفة (اليهودية والنصرانية والمؤمنون) قائم على الحوار، والمنهج القرآني حواري تميز بحوار الله مع الملائكة، وحواره سبحانه مع إبليس، وحواره سبحانه مع انبيائه ورسله وحوارهم مع اقوامهم، وحوار أهل الجنة والنار وحوار المُضِلِّين والضالين، وحوار صاحب الجنة مع صاحبه، وتحاور الرسول (ص) مع من تشتكي زوجها.


وبهذا المنهج أقام الله الحجة على المخلوق الذي كلفه ليكون خليفته، وبه عَلّمَه طرق ووسائل حل الخلاف والصراع، بالحجة والبينة والإقناع بحرية.




والحوار لغة هو الرجوع عن الشئ، والارتداد عنه، واصطلاحاً مراجعة الكلام، وتداوله، بين طرفين، لمعالجة قضية من القضايا بأسلوب يغلب عليه البعد عن الخصومة، ودوافعه أساسها إصابة الحقيقة والصواب، ومعرفة الحق واتباعه، وأدابه احترام الأخر، والشجاعة على الاعتراف بالخطأ، وضوابطه احترام الأخر وقبول رأيه وحقه في الاختلاف، وحسن القول واعتماد البينة والدليل في الدفاع والتفنيد، والموضوعية بالإعتراف بالحق والتسليم به واتباعه، وفوائده الوصول للحقيقة والتخلص من الأكاذيب.




ولعب الحوار دورا مهما في حياة اليمنيين، حيث عاش اليمنيون حياتهم في صراع دائم للخروج من حكم المهيمنين على السلطة والثروة الإمامة شمالا، والاستعمار البريطاني جنوبا، حتى تحقق لهم ذلك بثورتي سبتمبر وأكتوبر، من خلال حوار القوى الوطنية ودعمها لبعضها في الثورتين، ومقاومة الاستعمار، وفك حصار السبعين، واجبار بريطانيا على الرحيل، وبنجاح الثورتين تم اعلان أهداف الجمهورية والمواطنة الواحدة والمتساوية، ودخل اليمنيون حروب تثبيت الثورة والجمهورية، مما أجل تقديم المشروع الثقافي المتكامل لبناء مشروع دولة الجمهورية والثورة، والوطن الواحد، والشعب الواحد، وهيمنت العصبية القبلية والحزبية والمذهبية والمناطقية، على مشروع الثورة والجمهورية في الشطرين، ودخلت اليمن في حروب العصبيات داخل الشطرين وبينهما، وتخلل ذلك حوارات تحقيق الوحدة اليمنية في مسيرة للحوار والتفاوض، خلال 33 محطة منها 26 مؤتمر قمة، تنقلت بين الداخل اليمني عدن، وتعز، وقعطبة، وصنعاء، والحديدة، والعواصم العربية ما بين القاهرة، والجزائر، والكويت، وليبيا، نتج عنها، التوقيع على اتفاق عدن التاريخي لإعادة تحقيق وحدة الوطن، وقيام الجمهورية اليمنية، في 22 مايو 1990م، وتم الاستفتاء على دستور دولة الوحدة في مايو 1991م وحصل على موافقة (98,3%) من إجمالي المستفتين الذين أدلوا بآرائهم في كل ربوع اليمن.





وتم هذا المنجز بحوار القوى الوطنية اليمنية، المؤمنة بقضاياها الوطنية، وثوابت الحق واليمن الجمهوري بثورتيه، وتكرر نفس الخطأ الاستراتيجي بغياب المشروع الثقافي، المحافظ والداعم للوحدة، فتسللت بغيابه قوى الهيمنة القبلية والمناطقية والمذهبية، لتتصدر المشهد هادفة للهيمنة على مشروع دولة الوحدة، التي ادركت أنه سيقضي على هيمنتها على السلطة والثروة، ونشاء الصراع بين صانعي الوحدة بسبب ذلك، وتدخل الحوار مجددا ليلعب دوره في الحفاظ على ثوابت اليمن الجمهوري، فكانت وثيقة العهد والاتفاق، التي عالجت الاختلالات وصححت المسار، غير أن قوى الهيمنة القبلية والمناطقية والمذهبية انقلبت عليها، ومما سهل لها ذلك اعلان الانفصال، الذي قدم لها مشروع وشرعية استكمال انقلابها على ثوابت وحدة اليمن الجمهوري، وتفجرت حرب 94 وأفرزت تداعياتها والممارسات الخاطئة لسلطة القبيلة -بهيمنتها المطلقة على السلطة والثروة- حركة رافضة للإقصاء والتهميش والهيمنة، في جنوب الوطن وشماله، انتهت بثورة عارمة للشباب تطالب بإسقاط نظام تسلط القبيلة، وبدت بوادر الحرب الأهلية، بانقسام صنعاء ووحدات من الجيش، وتدخل عقلاء الداخل مع الأشقاء والأصدقاء الحريصين على استقرار اليمن وامنه ووحدته، فكان الحوار طريق الحل، ونتج عنه المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية، وبموجبها تم انتخاب قيادة لليمن تحافظ على ثوابت اليمن الجمهوري، فكان انتخاب فخامة الرئيس هادي، الذي عاصر وعاش تجارب الصراعات والحروب داخل الشطرين وبينهما، وقاد عملية حوار بناءة، عملت على إيجاد مشروع بناء اليمن الجمهوري، الذ تم تغييبه طوال مراحل النضال اليمني السابقة، فأسس مؤتمر الحوار الوطني وشاركت به كل القوى اليمنية، وهدف الى مناقشة كل صراعات وحروب اليمن، داخل الشطرين وما بينهما، بجذورها ومحتواها وحلولها، وتصدرت القضية الجنوبية وقضية صعدة وكل قضايا التهميش أساس الحوار ونموذجه للحل، وخرج المتحاورون بمخرجات الحوار الوطني، والتي تم ترجمتها عمليا بمشروع الدولة الاتحادية ومسودة دستورها، وبهما تمت معالجات حقيقية لكل صراعات وحروب اليمن حول السلطة والثروة، بإعطاء وإعادة الحقوق لأصحابها، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وقدم الحوار الوطني بمخرجاته ودستوره مشروع دولة اليمن الجمهوري، واسس بناء دولة يمنية قادرة مقتدرة، تبني وطن واحد ومواطنة واحدة متساوية، لا أوطان للعصبيات بكل مسمياتها، وهو ما عجزت المراحل التاريخية السابقة عن تقديمه، وبدأ تحول هذا المشروع العظيم لواقع ملموس بعملية سياسية متسلسلة، بها يتم استكمال بناء اليمن الاتحادي، وتسليم السلطة لقيادة جديدة منتخبة وفق معايير الدستور والمشروع الجديد، غير أن قوى الهيمنة والتسلط للعنصرية الإمامية والقبلية والمذهبية والمناطقية أدركت نهايتها الحتمية بقيام هذا المشروع، فأعلنت التحالف والانقلاب على اليمن الجمهوري بشرعيته ومشروعه وتسليمه للإمامة، وتلاقت هذه العملية الداخلية، مع مخطط إقليمي تتزعمه إيران، يستهدف اليمن بموقعه وثرواته وشعبه، وعمدت هذه القوى على حصار فخامة الرئيس هادي وحكومته، للضغط عليه لاكتساب شرعيتها منه كرئيس شرعي منتخب، لكنه لم يعطهم ما أرادوه، وتمكن من الخروج من صنعاء وعدن، وتحولوا بذلك لسلطة انقلاب، وحشد لهم تحالف دعم الشرعية، ومنعهم من الهيمنة المطلقة على اليمن وتنفيذ مخططاتهم، وبذلك أنقذ اليمن بدولته وشرعيته ومشروعه.




واليوم تنطلق أصوات تطالب بالحوار من أجل السلام، متناسية أن هذا هو جوهر دعوة الشرعية بقيادة فخامة الرئيس هادي وحوارها الوطني، وتم تنفيذه عملياً بمخرجات الحوار الوطني، وتشريعه دستورياً بالدستور الاتحادي، تحقيقا للسلام والاستقرار في اليمن والإقليم والعالم.






إن الدعاوى التي ينطلق منها دعاة السلام المنقوص والحوار الناقص، معتمدين على ما يطلقون عليه من سلطة الأمر الواقع للانقلابيين، هي دعاوى باطلة، فسلطة الأمر الواقع عبر التاريخ لم تصنع سلاما ولم تفرض واقعاً، فواقع قريش والأحزاب وحصار المدينة وتآمر اليهود، لم يصنع واقعا يهزم محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته، وواقع وجود النازية وقصف لندن وحصار الجيش البريطاني في دانكيرك، لم يمنع بريطانيا من المقاومة والانتصار، وواقع هيمنة النازية على كل فرنسا لم يمنع ديجول من المقاومة من خارج فرنسا واستعادة فرنسا وهزيمة النازية، ولم يمنع الواقع الذي واجهته الدولة السعودية الأولى والثانية المؤسس العظيم للدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله من تحقيق الانتصار والتوسع ولولا التآمر عليه لوحد الجزيرة العربية، ولم يمنع الواقع الذي فرضته الإمامة من انتصار ثورة 26 سبتمبر، كما لم يمنع واقع وجود بريطانيا من انتصار ثورة 14 أكتوبر، ولم يمنع واقع الوجود الصهيوني الفلسطينيين من المقاومة، أمثلة عديده تملأ صحائف التاريخ تنسف دعاوى الأمر الواقع.






إن أي حوار أو سلام لا يقوم على ثوابت اليمن الجمهوري والمحددة في مرجعياته الثلاث المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، واستعادة الدولة والثورة والجمهورية واسقاط الانقلاب، ليس حوارا بل استسلام، وعلى كل القوى المحسوبة على اليمن الجمهوري التمسك بثوابت اليمن الجمهورية بشرعيته ومشروعه وتحالف دعمه، واستعادة العملية السياسية المتوافق عليها محليا وإقليميا ودوليا.



جمعتكم تمسك بثوابت اليمن الجمهوري بشرعيته ومشروعه وتحالفه.

شبكة صوت الحرية -

منذ سنتين

-

616 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد