د . عبده سعيد المغلسد . عبده سعيد المغلس

فرص السلام في اليمن بين صدق الدعوة والاستجابة ومشاريع حروب الهيمنة


دعوة مجلس التعاون الخليجي التي وجهها أمينه العام معالي الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، إلى عقد مشاورات سياسية في الرياض بين كافة القوى والمكونات اليمنية، بهدف الخروج بحل سياسي مشترك يضع حداً للحرب، وتهيئة الظروف الموضوعية لتسوية سياسية شاملة تضمن إنهاء الصراع وتحقيق السلام، والعيش المشترك والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وما بين صدق هذه الدعوة وصدق الاستجابة والرغبة من الشرعية اليمنية بقيادة فخامة الرئيس هادي لتحقيق هذا الهدف، تغيب رؤية السلام عند دعاة ثقافة الهيمنة وحروبها، وهنا تكمن عقدة الأزمة اليمنية عبر تاريخها في الماضي والحاضر، وتفسر فشل محاولات السلام المصاحب لكل دورات حروب الهيمنة على السلطة والثروة.




السلام في اليمن هو الحاضر الغائب، في كل حروبها وصراعها حول الهيمنة على السلطة والثروة على مر التاريخ، ومنذ دخول الإمامة اليمن في القرن الثامن الميلادي، واليمن يعيش دورات من الصراع والحروب، بين إمام غالب وإمام خارج عليه، وتاريخنا المعاصر بثوراته ضد الإمامة والاستعمار استمر في دورات الصراع والحروب، في شمال اليمن وجنوبه، وبين شماله وجنوبه، وبعد توحيد الشطرين، والسلام في كل هذه المراحل من الحروب والصراع، يحضر شعارا ومطلباً، ويغيب مشروعا وواقعا، وبالتالي يتحول السلام لفترات "استراحة للمتحاربين" بين الحروب، وتحضير لجولات قادمة من الحروب والصراع، وهذا هو جوهر الأزمة اليمنية وحروبها طوال مراحلها التاريخية، وهو نتاج لإشكالية ثقافية تهيمن على الوعي والعقل وتقودهما.



"الثقافة تحدد السلوك" قاعدة توجه حياة الإنسان، الفرد، والأسرة، والمجتمع، والشعب، والأمة، والدولة، في مختلف جغرافيا الأرض، فالسلوك أياً كان نوعه، اجتماعي، أو سياسي، أو اقتصادي، أو القبول بالأخر، والعيش والتعايش معه، توجهه وتحكمه الثقافة المؤسسة للوعي الإنساني الفردي والجمعي.


وإشكالية اليمن في حروبه وصراعه، حول الهيمنة والسلطة والثروة، سببها هيمنة البعد الثقافي لعصبية الأحادية ورفض الأخر، وغياب ثقافة الأخوة الإيمانية والوطنية.


جذور الحرب اليمنية وتفسير ما يحدث


الحروب في اليمن في جوهرها صراع للهيمنة على السلطة والثروة، وصراع على الهوية، أخذ طابعه في الشمال قبل ثورة سبتمبر بين توجهين، العنصرية الهاشمية والمواطنة اليمنية المتساوية، وبعد الثورة انتقل بين بعض نخب القبلية الزيدية (عكفة الإمامة) والمواطنة اليمنية المتساوية، وبعد الوحدة، تحول الصراع بين حقوق الهوية الوطنية اليمنية لكل اليمنيين في الشمال والجنوب، وسلطة قبيلة حاشد في عهد صالح، وبعد الإنقلاب الحوثي، عاد الصراع لمربعه الأول ، بين العنصرية الهاشمية والمواطنة اليمنية المتساوية، وفي الجنوب، قبل الوحدة وبعدها وحتى الأن، تجذر الصراع بين ما يطلق عليهم البدو والقبائل، ويزيد المشهد تعقيدا للصراع دخول العنصر الخارجي، سواء الإقليمي أو الدولي، حيث تدخل المصالح الخارجية عاملا مؤثراً في الصراع كالتدخل الإيراني في انقلاب المليشيا الحوثية.


المشاريع المتصارعة في اليمن.


اليوم تتقاسم اليمن ثلاث مشاريع تتحارب فيما بينها: مشروع المواطنة اليمنية الواحدة والمتساوية، والدولة اليمنية الجامعة، وتمثله شرعية دولة الجمهورية اليمنية بقيادة فخامة الرئيس هادي، ومشروعها الاتحادي، المعالج لكل جذور ومسببات الصراع حول السلطة والثروة، وحقوق المواطنة الواحدة والمتساوية، والكافل للعيش الكريم لكل أبناء اليمن بمختلف توجهاتهم.


مشروع العنصرية الإمامية الذي يمثله الحوثي وانقلابه، والذي يقسم اليمنيين لسادة هم الهاشميون وعبيد هم بقية الشعب، ويبقي اليمنيين في مربع الحروب والصراعات والهيمنة.



مشروع الانفصال الذي يمثله دعاة الانفصال في الجنوب، والذي يقسم اليمن الى شمال وجنوب، ويقسم الجنوب لدويلات، وينتصر لهيمنة القبيلة في الجنوب على حساب البدو، ويبقي اليمنيين جنوبا وشمالا في مربع الحروب والصراعات والهيمنة.




محاولات الخلاص وتآمر الإحتواء.


أبرز محطات الخلاص لكسر احتكار الهيمنة على السلطة والثروة، شمالاً من النخب الهاشمية الإمامية والقبلية، ثورة 26 سبتمبر 62م، وجنوبا ثورة 14 أكتوبر، وشمالا وجنوبا الوحدة اليمنية، ومع ذلك يجد المتابع أنه في كل مرة تحاول المكونات المهمشة القيام بالخلاص، تعمل النخب القبلية والإمامية المؤمنة بالهيمنة على احتواء الحدث، وتحريف مساره لتستعيد دورها ومكانتها، وهو ما حصل مع ثورة سبتمبر بانقلاب الخامس من نوفمبر، ومع الوحدة اليمنية ووثيقة العهد والاتفاق بحرب 94، ومحاولتهم المستميتة لمنع واحتواء ثورة الشباب للخلاص عام 2011م، وكذالك الحوار الوطني ومخرجاته، ومشروع الدولة الاتحادية، الذي فكك وعالج جذور الحروب اليمنية، في كل ربوع اليمن، ولاستعادة الهيمنة والقضاء على ثورة الشباب ومخرجات الحوار، ومشروع الدولة الاتحادي، عاد تحالف العكفة والقبيلة والإمامة مجدداً، وانقلبوا على الشرعية والعملية السياسية ومشروع الدولة الاتحادية، وتخلصت الإمامة من تحالفها مع القبيلة وقتلت الرئيس السابق، وورثت الإمامة الحوثية نظام صالح والقبيلة، وأخرجت القبيلة من السلطة، وأعادتها لمربع القبيلة التاريخي "عكفة الإمامة"، فسيطرت الإمامة على كل مؤسسات الدولة، واستحوذوا على القبيلة والدولة، وعلى ما تبقى من حزب المؤتمر، والنخب السياسية، ووظفوهم لترتيب سلطتهم المطلقة كإمامة.


محاولات البحث عن السلام


في جولات الصراع والحروب العديدة والمتكررة، بين الأطراف اليمنية، ترتفع دعوات السلام ومحادثاته، وتكون محادثات السلام على مستويين، مستوى معلن، ومستوى خفي بين الكواليس، هو المتحكم والموجه للمستوى المعلن، وهذا يضاف لعوامل إبقاء جذوة الصراع، وعدم الحسم، وعدم تبني الحل المؤسس للسلام، وبنظرة بسيطة للتاريخ، نجد هناك العديد من محادثات السلام عُقدت وتم التوقيع على اتفاقيات لكنها لم تُنفذ، واستمرت دورات الحروب عقب كل محادثات السلام، كما يوضحه لنا سرد المحادثات التالية:


مؤتمرات السلام في الحرب الملكية الجمهورية (مؤتمر القمة العربية بالإسكندرية سبتمبر 1964م، مؤتمر أركويت بالسودان نوفمبر 1964م، مؤتمر خمر لتحقيق "السلام من أجل شعب اليمن" مايو 1965م، قمة جدة أغسطس 1965م، مؤتمر حرض نوفمبر 1965م). لقاءات ومؤتمرات السلام لحروب الشطرين والوحدة، والتي استمرت لفترة طويلة عبر محطات عديدة حوالي 47 محطة منها أكثر من 30 مؤتمرا للقمة. مؤتمرات وحوارات ما بعد الوحدة وتوقيع وثيقة العهد والاتفاق.




حوارات ومؤتمرات واتفاقات ما بعد 2011 وتوقيع المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية برعاية إقليمية ودولية.



حوارات ولقاءات واتفاقات ما بعد انقلاب المليشيا الحوثية برعاية الأمم المتحدة (توقيع السلم والشراكة، اعلان هدنة انسانية من السعودية في 12 من مايو (أيار) 2015م، جنيف 1 في يونيو 2015م جنيف 2 في سبتمبر 2018م، محادثات السلام اليمنية في الكويت في الفترة 21 ابريل-6 أغسطس 2016م، اتفاق استكهولم، هدنة كورونا، مبادرات السلام المختلفة التي قدمتها المملكة والحكومة الشرعية).



وفي كل محاولات السلام التي ذكرناها هناك حقيقة مغفول عنها لإيجاد السلام، وهي إلزام الطرف الرافض للسلام على قبول السلام، وهذا قانون رحماني بقوله تعالى ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات 9، وهو أيضا قانون الفطرة الإنسانية التي أجبرت كل الرافضين للسلام على قبوله، وهو المخرج الوحيد لفرض السلام على من يرفضه أو لا يؤمن به.




مخرج الحروب القادمة بمسمى سلام الواقع. على اليمنيون الإدراك بوضوح كامل أن الدول ليست جمعيات خيرية، فلها مصالحها الموجهة لتعاملاتها، كما أن عليهم الإدراك بأن الأمم المتحدة ليست محايدة في هذا الصراع، ولا يمكنها أن تكون كذلك، لأسباب برغماتية بحتة، كونها تمثل مصالح الدول المتحكمة وليس مصالح القضايا العادلة، وهنا نجد البعض يطرح خيارا للسلام، يقوم على قبول وتجميد الوضع الحالي وترسيمه، بحيث يتحكم ويدير كل طرف المناطق والسكان تحت سيطرته، وتتم ترسيم خرائط السيطرة، بأمل تعزيز التنسيق بين المجموعات المتصارعة لاحقا، وآخرون يقدمون طروحات تلغي مؤسسات الدولة ودستوريتها، وهذه الطروحات جميعها صانعة لحروب قادمة، ولن تصنع أي سلام، لا سلام مؤقت ولا سلام دائم، بل ستصنع دولة فاشلة، نتيجتها تمزيق اليمن وتقاسمه.



أسباب الفشل والمخرج من ذلك.



فشلت كل مفاوضات السلام السابق ذكرها، بسبب تعنت الأطراف الباحثة عن الهيمنة، فعلى سبيل المثال الرئيس السابق وأسرته لم يحصلوا على رفع العقوبات ولا على دور لهم في الحكومات المقبلة، والإمامة الحوثية لم تستطع فرض شروطها لتبتلع اليمن وتقديمه للمشروع الإيراني، وكذلك قوى الانفصال لم تستطع فرض انفصالها وتقسيم اليمن، وهناك دور خفي وناعم، يمنع الحسم وفرض السلام، هذا الدور نجده في إبعاد الحكومة الشرعية عن ممارسة دورها، وتسخير امكانياتها لبناء مؤسسات الدولة، في المناطق المحررة، لتستطيع من خلالها تحصيل مواردها ومعالجات مشاكل المواطنين، وتحقيق الحسم وفرض الدولة على كل مناطق اليمن، وهناك من ضمن الأسباب ثقافة الاستحواذ والأحادية وتصدر المشهد لبعض الأطراف.



وهذا الفشل يعود بنا لجوهر الصراع وحقيقته في الثقافة المُكَوِّنة، وأن لا حل له غير أمرين:



الأول: ما أنتجته المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، ومشروع الدولة الاتحادية، وقرارات الشرعية العربية والدولية، فذاك هو السبيل لإيجاد سلام مستدام يلغي أسباب الصراع والحرب حول السلطة والثروة.


الثاني: التأسيس على أن اليمن، جزء وامتداد لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، أمنه من أمنها ومصالحه من مصالحها.

دعوة مجلس التعاون الخليجي وفرصة الحل.


كان لمجلس التعاون الخليجي دورا محوريا وهاما، في إخراج اليمن من حرب أهلية طاحنة، ورسم خارطة الطريق للانتقال السلمي للسلطة، بما مثلته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية عام 2011م، واليوم تعود الفرصة مجددا لليمنيين، للخروج من أزمتهم الحالية بهذه الدعوة الجديدة لمجلس التعاون الخليجي، التي وجهها أمينه العام، لعقد مشاورات سياسية في الرياض بين كافة القوى والمكونات اليمنية، بهدف الخروج بحل سياسي مشترك يضع حداً للحرب اليمنية، وتأتي هذه الفرصة في ضل مستجدات محلية وإقليمية ودولية بالإمكان توظيفها للخروج من الحرب، فعلى المستوى المحلي يزداد صلف الإنقلابيين وغرورهم وعدوانهم على الأعيان المدنية والإقتصادية للملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ورفضهم السلام ومحادثاته كما رفضوا ذلك من قبل، وعلى المستوى الإقليمي يزداد خطر تهديد تزويد العالم بالطاقة نتيجة هذه الاعتداءات الإرهابية للمليشيا الحوثية المدعومة إيرانيا، بسبب استهداف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ، والملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية لتعلن للعالم أنها تخلي مسؤوليتها من أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية.




وعلى المستوى العالمي هناك الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على العالم واقتصاده وطاقته وغذائه، وهناك صدور قرارات جديدة متعلقة بالأزمة اليمنية وهي قرار مجلس الأمن الدولي بتصنيف مليشيا الحوثي كجماعة إرهابية، وفرض حضر الأسلحة عليهم، وقرار مجلس الاتحاد الأوروبي بإدراج مليشيا الحوثي الإرهابية على القائمة السوداء. وهذه العوامل مؤثرة وموجهة على الحرب اليمنية.



وفي ضل هذه المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، على كل القوى والمكونات في صف الشرعية والدولة اليمنية الاستجابة لهذه الدعوة، وتوحيد الصف خلف الشرعية اليمنية بقيادة فخامة الرئيس هادي ومشروعها الاتحادي، وتحالف دعمها بقيادة المملكة الشقيقة للخروج بالحل وفرض السلام، والخروج من مشاريع حروب الهيمنة وسلام الاستعداد للحرب.

شبكة صوت الحرية -

منذ سنتين

-

714 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد