مروان الغفوريمروان الغفوري

سقوط صنعاء


بعد سقوط صنعاء بوقت قصير تشكلت حركة معارضة أسمت نفسها "رفض".

خرجت الحركة في مسيرات محدودة وتعرضت لعنف بالغ. آنذاك تلفن لي السفير عبدالولي الشميري، وكنت مناوبا في العناية المركزة.



قال إن الحركة نصبتني رئيسا لها في الخارج. انطلق متحمسا: كن مستعدا، ستنهال عليك وسائل الإعلام بكل اللغات، وستكون مهمتك هي إيصال صوتنا إلى كل العالم، ستكون الشخص الأهم في اليمن.



فهمت أنه عراب تلك الحركة وداعمها. الحقيقة أني لم أعد أتذكر منصبي: رئيس الحركة في الخارج، أم الناطق باسمها. ذلك أن الحركة أعلنت براءتها مني ومن أفعالي بعد مقالة كتبتها وقلت فيها للنبي: اخرج أهلك من مدينتي لو سمحت.  لم يكن قد مضى على تنصيبي سوى أيام أو سنين


قبل ذلك بوقت، في العام ٢٠١١، شكل الثوار ما أسموه المجلس الوطني، خليط من الساسة والتنابلة.  لا أدعى إلى هكذا حفلات، وتلك المرة دعيت متأخرا.



أعلن عن أعضاء المجلس تباعا، ووجدت فتاة رائعة تمازحني قائلة: لو حابب تكون في المجلس الوطني بكلم لك ربعنا.


كلمت ربعها وبعد يومين وجدت اسمي منشورا وتحته ممثل المجلس الوطني في أوروبا، أو المتحدث باسمه في القارة، شيء من هذا المقام. أردت أن أشكر الفتاة ولكن الوقت تأخر، ونسيت اسمها.


الواقع أني لم أستمتع بذلك المنصب لأني انشغلت بالمناوبات  ولم أتذكره إلا بعد انتخاب هادي. كانت مصادفة بحتة وأنا أقدم نفسي لمثقفين ألمان قائلا كنت سياسيا.


وسياسيا تفهم: رتبة أو مكانة أو مهمة من داخل السياسة. أردت أن أقول أني "معلق" سياسي. وأمام حماسهم لمعرفة مكانتي السياسية قلت لهم أني مثلت المجلس الوطني في أوروبا. كانت تلك المرة الأخيرة التي تذكرت فيها منصبي، وكانت الأولى بالطبع.


كتبت في الشأن السياسي على نحو أسبوعي منذ العام ٢٠٠٥ وحتى السقوط. عشرة أعوام لم أراكم فيها شيئا يستحق الذكر. وحتى حين كنت أتناقش مع سمير جبران عن دوري القادم في صحيفة المصدر، في طور التأسيس، قلت له سأكون المحرر الثقافي. وصرت المحرر الثقافي في الصحيفة عمليا لبضعة شهور، ثم شكليا، ثم تناسينا كلانا تلك المهمة وكتبت في السياسة.




لا تباع في البلد سوى السياسة ويفضل أن تكون رديئة أو ضالة. عدت من مصر للمرة الأولى في ٢٠٠٦ وكنت أقول أمام ضابط في الجيش: من موقفي كمثقف.. كان المجلس عامرا بالضباط وكلما قلت "موقفي كمثقف" يكرون ضحكا ويتبادلون رمي العيدان ناهرين بعضهم البعض خزن خزن.


أدركت أن بلادنا اختارت طريق الضجيج، وقررت الالتحاق بالمهرجان وصرت كاتبا في الشأن السياسي وتهبشت كثيرا على الطالعة والنازلة. صرت أكتب في الاقتصاد، التاريخ، البيئة، الفكر، الحروب، وبنية الدولة. لم أتخصص في موضوع بعينه، وكان ذلك مأزقا خطرا.


أخذ مني الأمر أعواما كثيرة حتى تطهرت، واتخذت طريقا نحيلا وواضحا. قبل عام هاتفني إعلامي في قناة يمنية وطلب مني إجراء مداخلة هاتفية.


قال: نريد منك أن تشرح للمشاهدين دلالات القبض على خلية مسلحة تدعمها الإمارات في شبوة. قلت له، وأنا أدفع التيشيرت داخل بنطالي: والله ما اعرف غير منك الآن يا بوحسين.

اعتذر بو حسين وتمنى لي يوما سعيدا. أجدني الآن وقد تحررت من الضجيج أكثر سكينة وانسجاما، حقيقيا أكثر من أي وقت. وأيضا: غارقا في الحب.


لدي طفلة تبلغ من العمر عاما ونصف، اسمها صوفيا، تنادي دادي فتسمع الحارة كلها، عنيفة وذكية وبغمازة على الخد الأيمن. تعادل نصف هذا الكوكب، بالنسبة لعاشق مثلي.

شبكة صوت الحرية -

منذ سنة

-

1052 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد