علي الفقية علي الفقية

صحفيون أم حفارو قبور!!

لم نعد نشعر أنا صحفيون..

أو على الأقل أنا لم أعد أشعر أني صحفي، بل بات مؤخراً يسكنني شعور مشيع أو حفار قبور!

وتتزايد لدي القناعة بأن العمل الصحفي أصبح اليوم كابوساً أكثر من أي وقت مضى، ليس من حيث المخاطر فقط، فذلك أمر اعتدنا عليه وبات شيئاً عادياً، ولكن من حيث طبيعة المعلومات والأحداث التي نتعاطى معها يومياً.

 

"قتل، جرح، فجر، اقتحم، شيع، هدد، دمر ...إلخ" وغيرها من أفعال القتل والتدمير المنتجة للموت لا الحياة، هي ما نتعاطى معها بشكل يومي وعلى مدار الساعة.

نكتب أخبار القتل وتموت معاني الحياة في نفوسنا، ونغطي الحروب والحرائق وتحترق وتتلاشى معها أحلامنا، وتتحول الأخبار التي نكتبها أشبه بلوحة رسمها فنان مكتئب بألوان قاتمة تعبيراً عن المستقبل الذي يتخيله.

 نشتغل على تغطية الصراعات لنجد أنفسنا جزءاً من معركة فرضت علينا وصرنا مجبرين على تقليب مفرداتها على مدار الساعة.

تحدثت مع عدد من الزملاء وجدتهم يشاركونني الحالة ذاتها ويعيشون نفس الشعور البائس الذي يجعلك تقضي لحظات حياتك تلازمك مشاعر من يشيع وطناً كان يحلم يوماً أن يواكب أحداثاً وتحولات ويكتب أخباراً مختلفة تماماً عما يدونه اليوم.

 

مع كل نقرة على لوحة المفاتيح تشعر أنك تهيل التراب على جزء من هذا الوطن، وما إن تودع يومك على أخبار سيئة حتى تستيقظ في اليوم التالي على أخبار أسوأ منها.

كل يوم تلوح أمامك صور المسلحين والقتلى والدماء ومناظر الخراب لتشعر بالتبلد يزحف على مشاعرك لدرجة تعايشك مع أخبار الموت وفقدانك القدرة على البكاء حتى حين تفقد أحد أقاربك.

حروفنا تفوح منها رائحة البارود والدماء وتكسوها ملامح الحزن، حشرنا في زاوية ما كان أحدنا يعلم حين اختار مجال الصحافة أنه سيتحول إلى مشيع جنائز أو حفار قبور.

صار الفاعل الوحيد في الساحة هم حاملي البنادق بشقيهم المهاجمين والمدافعين، ونحن لزاماً علينا أن نغطي نشاطهم اليومي.

 

حتى مطلع العام 2011 كنا نتبرم من الركود السياسي وبقاء ذات الوجوه في المشهد الذي يجعل العمل الصحفي مملاً ويجعلك مجبراً على تداول ذات الأسماء وذات التصريحات بشكل يومي، وما إن حركت موجة الربيع العربي بنسخته اليمنية المشهد الراكد ومنحته الحيوية، حتى انتقلنا إلى مربع أكثر سوءاً من الركود والرتابة التي كنا نشكو منها.

 

فقط أمامك الآن جماعات مسلحة تصنع الموت كل يوم وعليك أن تعيش معها الجو وتغطي أنشطة الموت والدمار الذي يشيع في الأرجاء وتتسع مساحته كل يوم.

 

ما من أخبار أو أنشطة ثقافية أو رياضية أو فنية يمكن لها أن تكون بمثابة فاصل قصير يمكن العودة بعده لكتابة أخبار القتل، ولهذا يكون الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام عموماً أكثر الناس عرضة لحالة الاكتئاب التي تخلفها مثل هذه الأجواء.

 

  فهل لنا موعد مع تغطية مهرجانات وحفلات وافتتاح مشاريع تنموية عملاقة! أم أن الموت الذي يلتهم كل مظاهر الحياة في البلد سيطوي صفحاتنا ونحن لا نزال نغطي التحركات اليومية للعصابات والقتلة!!

شبكة صوت الحرية -

منذ 8 سنوات

-

1474 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد