عبدالرزاق العزعزيعبدالرزاق العزعزي

نازح يمني في مجتمع برجوازي

مساء الخير
استعدت اليوم اهتماماتي في متابعة أخبار الفلك وآخر الصور للظواهر الغريبة على كوكب الأرض التي يتم التقاطها من قبل رواد محطة الفضاء الدولية.
يوم جميل للغاية بعد أن تمكنت البارحة من وضع رأسي على وسادتي ونمت بلا هموم كانت قد حاصرتني منذ 14 يومًا مضت قضيتها في البحث عن منزل وسكن يلمني وزوجتي في بلد لجأت إليها كنازح يحاول أن يعيش حياته بعيدًا عن الحرب والحصار والشعارات المناطقية والمماحكات السياسية والانقسامات المجتمعية الناتجة عن اختلاف الآراء فقط!
كانت السودان الاختيار الوحيد المتاح لي، لا أعرف فيها أحدًا لكن البقاء في اليمن يعني أن تهدر حياتك من أجل لا شيء وخلال هذا الاهدار العبثي فأنت من المحتمل أنك ستخسر أصدقائك بسبب الرأي، أصدقاء بسيطين ومثقفين، الجميع يتشابهون في ردة الفعل عندما يتعلق الأمر بالموقف السياسي، يشبهون كثيرًا (إذا لم تكن معي فأنت ضدي) ومعنى أن تكون (ضد) هو تحمّل ما قد ينتج عن هذا العداء، أحدهم (أنور الوزير) دفع ثمنه حياته أمام باب منزله والآخر (الزميل محمد شمسان) قام صديقه بالإبلاغ عنه فور الانتهاء من وجبة غداء في منزل شمسان وتم اعتقاله ثم الافراج عنه لاحقًا.
بإمكان العمل السياسي غير الواعي أن يعمل على تغيير ملامح الناس وطباعهم وتفكك شملهم، النقود كذلك بإمكانها أن تفعل الشيء ذاته ولكن ليس في اليمن بل في السودان البلد البرجوازي*، ضيّق الأفق، المادي بامتياز، كنت قد اطلعت على رؤية (كارل ماركس) للبرجوازية وكيف يمكنها أن تقدم مفاهيم خاطئة حول العالم، وكيف تنظر الماركسية للبرجوازية بأنها قد تحول الخدمات لمقابل نقدي وتستطيع شراء مجهود الناس، ولكني لم أكن أتصور أبدًا أنها بهذه البشاعة حد القرف، لم أكن أتصور أني سأعاني قذارتها في بلد كان أبناءه مدرسين في اليمن، برجوازيين أوغاد يعملوا على إدارة الأمور بحسب نظرتهم المادية فقط، برجوازية تعتمد على الاهتمام بالمصلحة المادية أولًا فوق كل اعتبار.
(أنا نازح في السودان من سعير الحرب في اليمن) قلتها لمالك عقار سوداني في اليوم السادس من رحلة بحثي عن سكن، لم أكن أطلب منه أن ينظر لي بعين الرحمة أو يهبني شيئًا ولكني قصدت أني سأحترم نفسي في سكني ولن أكون ثقيلًا أو مزعجًا ولن يزورني أصدقاء فلا أصدقاء لديّ هنا، دفعت له عربون الايجار واتفقنا على استلام المفتاح اليوم التالي وتسليمه بقية الايجار ومقدم شهرين، سعدت بحصولي على منزل جديد واحتفلت مع زوجتي وشاركت فرحتي مع أصدقائي في الفيس بوك لأتفاجأ اليوم التالي بتهرب صاحب العقار حتى وجدته اليوم الثالث لنتفق مجددًا وبسعر جديد على قيمة الايجار و (كلام رجال) ستكون البيت من نصيبي، إلا أن اليوم التالي لذلك صحوت على اتصال منه بأنه لن يعطيني المنزل -ربما حصل على مبلغ أعلى- وتم إعادة العربون وكلام الرجال تمحوه النقود.
المنزل التالي وجدناه في منطقة أخرى، تكرر فيه نفس الشخصيات التي تتعامل معك وكأنك خزان نقود فقط بمنطق برجوازي بحت، قد لا أملك مشكلة مع النقود (حاليًا) ولكن عندي مشاكل مع طريقة التعامل، مثلًا يجتمع السماسرة حولك ليمنحوك شقة ثم يخبروك بأنهم سيأخذوا منك بدل سمسرة بمعدل يتراوح بين 100 إلى 200 بالمائة من قيمة العقار، الأكثر قسوة من ذلك هو حين تخبرهم بأنك لا تستطيع أن تمنحهم المبالغ التي يطلبونها فيتحدثون معك كونك بولوتاري* رث فيستفزهم بعدها مشاهدتي بالنظارة الشمسية ورؤية زوجتي متأنقة ويرمون بالكلام بطريقة مزعجة، إما أن تستجيب لطلباتهم في استغلالك أو ستكون غير مرغوبًا فيه.
تسعة أشهر عشتها في السودان بعيدًا عن الاحتكاك مع المجتمع، عشتها بانزواء وفردية، وحين أتت اللحظة التي دفعتني إلى التعامل (المادي) مع مالكي الخدمات والعقارات كانت مؤلمة للغاية.
مازال هذا المساء يحوي الخير، ومازال هناك بعض سودانيين من أصحاب العقارات ومقدمي الخدمات لم تلتهمهم البرجوازية وأخص بالذكر صديقين تعرفت عليهما أثناء رحلتي في البحث عن سكن، الصديق (محمد عمر) والصديق (حسن المتعافى) لولاهما لكنت آمنت بأن المجتمع السوداني كله يتشابه، وددت أيضًا أن أشكرهما على إنسانيتهما في التعاطي مع قضية السكن والتعامل معنا بكل رقي.

شبكة صوت الحرية -

منذ 8 سنوات

-

1377 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد