كتب كتب

الفنان محمد سعد عبدالله صوتٌ من الزمن الجميل ..

محمد سلطان اليوسفي

 

 

كثيرًا تستهويني الكتابة والحديث عن الفنان المرحوم محمد سعد عبدالله ، وقد ترددت كثيرًا  في نشر هذه السطور ، خوفًا من أن تكون الكتابة  غير منصفة ، ولكن صادف كتابة هذه السطور ذكرى رحيله ، فحرصت على نشرها ، وبالمقابل فإن أخبار السياسة شغلت مثقفينا وقراءنا  ، وأصبح المتحدث في مجال الفن والأدب كأنه يغرد خارج السرب ..

وكيف لنا أن ننسَ  الفنان الاستثنائي محمد سعد عبدالله  ، تلك الكلمات العذبة ، وذلك الصوت الشجي ، وذلك الإحساس الفريد ..

والحديث عن الفنان محمد سعد عبد الله سيأخذ محاورًا عدة ، لأننا أمام شخصية فنية متعددة المواهب وسنحاول ـ قدر المستطاع ـ  أن نتناول كل هذه الجوانب .

محمد سعد عبدالله شاعرًا غنائيًا مرموقًا ، تتسم كلماته بالبساطة ، ووضوح المعنى ، مع قوة في الدلالة  وهو ما يسمى ـ عند النقاد ـ بالسهل الممتنع ، كلماته قوية التأثير في نفس المتلقي ، تتسم بالصدق الفني ، والمعايشة الوجدانية ، ولننظر مثلًا في هذا المقطع من أغنيته الشهيرة  ( أمير الغيد ) :

أمير الغيد يا سيد الغواني

             على أيش الجفا يا قرة العين

أنا من يوم ما ربي بلاني

                 بحبك ليلتي صارت بعامين

 وانا لك يا رشا سلمت أمري

        ولا ادري ما سبب ظلمي وهجري

إذا قصدك تقصر لي بعمري

              معانا رب يحكم بيننا البين

هذه الكلمات البسيطة بما فيها من جمال مدهش للقارئ والمستمع ، تسحر لبه وبما فيها من مفارقات عجيبة ،  فالليلة الواحدة في حالة البعد والفراق  تصير عامين في نظر العاشق المحب ، وأمير الغيد هو نفسه من يريد الشاعر منه كلمة تجبر خاطره ، أو سلامًا وإن كان هذا السلام من مكانٍ بعيد ، وإن لم فرسالة يرسلها إليه :

كلمة ولو جبر خاطر

           والا سلام من بعيد

والا رسالة يا هاجر

            بيد ساعي البريد

جمال هذه الأبيات ينبع من بساطة الألفاظ وقوة المعنى ، وهذا ما يعني أن فناننا الجميل محمد سعد عبدالله متمكن من الشعر الغنائي ، عارف بأساليبه وأصوله ، وعلى سبيل المثال لا الحصر اكتفينا باختيار هاتين الأغنيتين ( أمير الغيد ، كلمة ولو جبر خاطر ) ، فالأغنيات التي كتبها محمد سعد عبدالله ولحنها تزيد عن مائة أغنية ، كلها أغانٍ شهيرة ، ومنها :

 

محل ما يعجبك روح ، وسط صنعاء ، يحلها ألف حلال ، يوم الاحد في طريقي  ، وعد الحر دين ، أعز الناس ، أنا أقدر أنساك  ...

كل هذه الأغاني وغيرها من كلمات وألحان محمد سعد عبدالله غناها العديد من الفنانين اليمنيين والعرب .

وإذا كان هذا هو محمد سعد عبدالله الشاعر المجيد ، فماذا عنه فنانًا ملحنًا بديعًا ؟

لا يمكن الفصل بين مقومات الأغنية ، شعرًا وتلحينًا وأداءً وهذا ما اجتمع عند الفنان محمد سعد عبدالله حتى أصبح  معجزة في الفن .

وإذا كان كل فنانٍ من فناني الزمن الجميل تميز إما بصوته أو أدائه أو ألحانه ، فإن الفنان محمد سعد عبدالله استطاع أن يتميز في كل أركان الأغنية ، فكل من غنى أغاني محمد سعد عبدالله من الفنانين المتقدمين أو المتأخرين ، لم يضف أو يحذف في الأغنية شيئًا  سواءً في كلمات الأغنية أو في لحنها .

والمتأمل في كل أغاني الفنان محمد سعد عبدالله سيجد فيها الحداثة بادية من ايقاع أغانيه ومن كلماته ، وحداثة في الأداء وحداثة في اللحن ، لذلك نجد الكثير من الفنانين الشباب يفضلون أغاني الفنان محمد سعد عبدالله ، ويتأثرون بها تأثرًا كبيرًا .

كما أن الفنان محمد سعد عبدالله  لم يكتفِ بأداء لون غنائي واحد من ألوان الغنائي اليمني ، وإن كان قد غلب على أغانيه اللون العدني ، باعتباره واحد ممن أرسوا دعائم هذا اللون ، إلا أنه غنى الأغنية الصنعانية باقتدار ، فغنى الكثير من أغاني هذا اللون ، أشهرها :  يقرب الله ، حوى الغنج ، يا بروحي من الغيد ، لا حول ..

وغيرها الكثير من أغاني اللون الصنعاني ، كما غنى مختلف ألوان الغناء اليمني  لحجي ، وحضرمي ويافعي ..

الفنان محمد سعد عبدالله شخصية فنية لن تتكرر ولن يجود الزمن بمثلها ، رحمه الله وأسكنه جناته الفسيحة .. 

شبكة صوت الحرية -

منذ 7 سنوات

-

1512 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد